الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

صوتك اليوم | حانت لحظة الحقيقة

صوتك اليوم | حانت لحظة الحقيقة
ماذا تفعل لو كنت ضابطا فى أمن الدولة ولاتزال فى منصبك حتى الآن..؟ لقد قمت بتعذيب مئات المصريين قبل الثورة وأنت تعلم أن الانتخابات القادمة ستأتى بحكومة مدنية ستقيلك قطعا من منصبك وقد تحيلك إلى المحاكمة.. هل تحافظ على الأمن أم أنك سوف تفعل كل ما تستطيعه حتى تشيع الفوضى فى مصر لتنجو بنفسك..؟ إذا كنت رئيسا لبنك عيّنك جمال مبارك فى منصبك ماذا تفعل بعد الثورة؟!. هل تساعد على نهضة الاقتصاد حتى تأتى حكومة جديدة تقيلك وتحاسبك أم أنك ستستعمل خبرتك فى إحداث أزمة اقتصادية تؤجل مصيرك المحتوم..؟ إذا كنت محافظا عينك مبارك أليس من مصلحتك أن تثير فتنة طائفية لتؤجل التغيير الذى سيعصف بك..؟ فى أعقاب أى ثورة لو ظل أتباع النظام القديم فى مناصبهم سوف يتآمرون حتما بكل الطرق من أجل تخريب البلد وتعطيل التغيير.. فى كل ثورات الدنيا تم هدم النظام القديم بمجرد نجاح الثورة إلا فى ثورتنا المصرية التى يبدو وضعها فريدا من نوعه حيث 20 مليون مصرى صنعوا ثورة عظيمة واجهوا خلالها الموت وقدموا الشهداء حتى نجحوا فى إجبار حسنى مبارك على التنحى ثم عادوا إلى منازلهم وتركوا الثورة أمانة فى أيدى المجلس العسكرى.. هنا حدث سوء تفاهم حقيقى. الثورة اعتبرت الإطاحة بمبارك خطوة أولى من أجل إسقاط النظام القديم، والمجلس العسكرى اعتبر أن تنحى مبارك تضحية لا مفر منها من أجل الحفاظ على النظام القديم. لابد أن نفرق هنا بين القوات المسلحة مؤسستنا الوطنية التى نعتز بها وبين المجلس العسكرى كسلطة سياسية من حقنا أن نختلف مع سياساتها. لقد رفض المجلس العسكرى إطلاق النار على المتظاهرين وهذا الموقف الرائع يتسق مع تقاليد الجيش المصرى العظيم ولكن فى الوقت نفسه فإن المجلس العسكرى لم يقم بالثورة ولم يتوقعها ولم يفهمها بل إنه فوجئ بها تماما كما فوجئ مبارك. لقد كان المجلس العسكرى حتى قيام الثورة مخلصا لقائده الأعلى مبارك ثم انتصرت الثورة المصرية على الطاغية، وكان لابد للمجلس العسكرى أن يتعامل مع الأمر الواقع. أثناء موقعة الجمل دخل آلاف البلطجية المسلحين إلى ميدان التحرير بهدف الاعتداء على الثوار وقتلهم. حدث ذلك أمام جنود الجيش فلم يعترضوا البلطجية ولم يحموا الثوار منهم، وقالوا لمن سألهم: إن التعليمات تقضى بأن يقفوا على الحياد. الوقوف على الحياد بين متظاهرين سلميين وبلطجية مأجورين مسلحين معناه ببساطة إعطاء فرصة أخيرة لنظام مبارك حتى يقضى على الثورة. هناك فيديو يصور اللواء الروينى وهو يتحدث إلى الثوار بعد انتصارهم فى موقعة الجمل ويطلب إليهم الانصراف، وعندما يخبره أحد الثوار بأنه سيظل معتصما حتى يتنحى مبارك، عندئذ يسخر منه الروينى قائلا:- شوف من سيدفع لك راتبك أول شهر وأنت فى الشارع.

لقد احتفظ المجلس العسكرى بقائده الأعلى حسنى مبارك معززا مكرما فى قصره بشرم الشيخ لمدة شهرين كاملين لكنه لم يستطع مقاومة الضغط الشعبى فاضطر فى النهاية إلى إحالة مبارك للمحاكمة. كل ما حدث فى مصر بعد الثورة يمكن تلخيصه فى الصراع بين إرادتين. إرادة الثورة التى تريد تغييرا حقيقيا يستحيل تحقيقه دون هدم النظام القديم مقابل إرادة المجلس العسكرى الذى يتشبث بالنظام القديم ويقاوم التغيير باستماتة. المسؤولون وأصحاب القرار فى الدولة الآن هم أنفسهم الذين قامت الثورة من أجل الإطاحة بهم وكأننا نطلب من النظام القديم أن يساعدنا فى إسقاط نفسه بنفسه. ضباط أمن الدولة وقيادات الشرطة والمحافظون ومعظم الوزراء وكبار المسؤولين فى البنوك والوزارات والإعلام، كل هؤلاء ينتمون قلباً وقالباً إلى نظام مبارك وهم بالقطع معادون للثورة، لكن المجلس العسكرى احتفظ بهم جميعا فى مناصبهم. النتيجة سلسلة من المؤامرات التى أدت إلى أزمات كلها مصطنعة بدءا من الاعتداءات الطائفية وحتى أزمة البنزين والمواد الغذائية. النتيجة تعطيل التغيير الديمقراطى ودفع الثورة إلى عكس اتجاهها ومحاولة احتوائها وإجهاضها. أرادت الثورة دستورا جديدا لكن المجلس العسكرى استجاب إلى مستشارى مبارك القانونيين وفرض علينا استفتاء على تعديلات دستورية محدودة ثم فاجأنا بعد ذلك وأعلن دستورا مؤقتا يلغى عمليا نتيجة الاستفتاء ويحدد شكل الدولة المصرية وفقا لإرادة المجلس وليس إرادة الشعب. منذ أيام نشرت جريدة «التحرير» وثيقة تؤكد أن هناك 165 ألف بلطجى ما زالوا حتى اليوم يعملون لحساب مباحث أمن الدولة. ماذا نتوقع من هؤلاء البلطجية؟ إنهم يعملون بلا شك على نشر الفوضى ويحافظون على الانفلات الأمنى حتى يكره المصريون الثورة ويندموا على مطالبتهم بالحرية.. قبل ذلك نشر الأستاذ عمر طاهر فى جريدة «التحرير» أيضا، خطابا أرسلته شركة مصر للطيران إلى المسؤولين عن السياحة فى اليابان تطلب فيه عدم إرسال سياح يابانيين إلى مصر لأن الحالة الأمنية لا تسمح. هذه مجرد أمثلة على عمليات التخريب المنظم التى يقوم بها أتباع مبارك فى كل مكان فى مصر. أخيرا جاءت مذبحة ماسبيرو كذروة لإحداث الفتنة الطائفية التى اندلعت فى مصر بطريقة منظمة ومتعمدة بعد الثورة.. لا يمكن أن نفهم ما حدث فى مذبحة ماسبيرو دون أن نعى حقيقة أن نظام مبارك لايزال يحكم مصر. محافظ أسوان تعمد أن يثير الفتنة الطائفية، والمجلس العسكرى رفض إقالته كما أوصت اللجنة التى شكلها رئيس الوزراء. الشرطة العسكرية تعمل بتعاون كامل مع جهاز الشرطة الذى مازالت قياداته موالية لمبارك وجهاز أمن الدولة (الأمن الوطنى) الذى يعمل بنفس الضباط الذين أهدروا كرامة المصريين وعذبوهم على مدى سنوات.

مسيرة سلمية معروف سلفا مكانها وموعدها، اشترك فيها آلاف الأقباط وكثير من المسلمين المتضامنين مع مطالبهم المشروعة. فجأة تظهر مجموعات مسلحة مجهولة، كتلك التى ظهرت فى كل الاعتداءات السابقة. نفس السيناريو يتكرر بحذافيره، المسلحون يعتدون على المنشآت ثم يهاجمون الجيش، مما يعطيه السبب الكافى للتنكيل بالمتظاهرين، وهو الغرض الحقيقى من هذه المسرحية البائسة.. فى كل الحوادث السابقة بدون استثناء، بدءا من إحراق كنيسة صول وحتى أحداث العباسية، والاعتداءات على وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة، ظهر هؤلاء البلطجية وتم تصويرهم فى فيديوهات كثيرة، بل إن بعضهم اعترف لوسائل الإعلام بأنه قبض أموالا من أعضاء الحزب الوطنى ليرتكب جرائمه لماذا لم تقبض الشرطة العسكرية عليهم وتحقق معهم؟! لماذا تركت الشرطة العسكرية المتطرفين فى قنا يقطعون أذن رجل قبطى ويعطلون خط قطار الصعيد لمدة عشرة أيام؟!. لماذا يعتدى البلطجية من أبناء مبارك بالآلات الحادة على أهالى الشهداء، فلا تقبض عليهم الشرطة العسكرية، بينما تنكل فقط بالثوار وتعذبهم وتقتلهم؟!. السؤال المحورى فى مأساة ماسبيرو: هل تم دهس المواطنين المصريين تحت عجلات المدرعات..؟ الإجابة نعم للأسف. لقد تم توثيق الجريمة البشعة بالفيديو، ومعظم الجثث وجدت فى المشرحة ممزقة من أثر الدهس بالمدرعات.. فى يوم قريب، سينقشع الغبار وتنتهى حملات التشويش والتحريض والأكاذيب التى يقودها الإعلام الرسمى، وعندئذ سوف يجد المصريون أنفسهم وجها لوجه أمام مذبحة بشعة ارتكبها أفراد الجيش المصرى ضد مواطنين مصريين.

فى عام 1906 ذهب خمسة ضباط من جيش الاحتلال البريطانى فى رحلة لصيد الحمام فى الريف المصرى، ونتيجة لسلسلة من الأخطاء نشبت معركة بين الضباط الإنجليز والفلاحين المصريين أدت إلى مقتل فلاح مصرى ووفاة ضابط بريطانى من أثر ضربة شمس أصابته وهو يهرب. عقد اللورد كرومر- المعتمد البريطانى- محاكمة صورية حكمت بإعدام أربعة فلاحين مصريين وحبس عدد آخر منهم لمدد متفاوتة. اشتهرت هذه الواقعة باسم مذبحة دنشواى، ولقد هبت مصر كلها حزنا على شهداء دنشواى، بدءا من المصريين العاديين وحتى الزعيم مصطفى كامل وكبار الشعراء، مثل حافظ إبراهيم وأحمد شوقى اللذين نظما قصائد رائعة تأثرا بمأساة دنشواى. وفى بريطانيا اعترض كثير من الساسة والمثقفين على مذبحة دنشواى، حتى إن الكاتب الإنجليزى الكبير جورج برنارد شو ( 1856/1950) كتب ما معناه:

«إذا كانت مجزرة دنشواى تمثل النموذج الأخلاقى للإمبراطورية البريطانية، فواجبنا الأهم أن نهزم هذه الإمبراطورية ونسقطها فورا..».. وقد أجبرت هذه الاحتجاجات العنيفة الحكومة البريطانية على إقالة اللورد كرومر وإلغاء العقوبة على الفلاحين المحبوسين وإطلاق سراحهم.. حتى الآن يتم تدريس مذبحة دنشواى لأطفالنا فى المدارس المصرية باعتبارها دليلا قاطعا على وحشية الاحتلال البريطانى. ثمة مقارنة محزنة هنا لكنها ضرورية:

فى مذبحة دنشواى سقط خمسة شهداء بينما فى مذبحة ماسبيرو سقط 24 شهيدا، كما أن المجلس العسكرى لم يعتذر عن قتل الشهداء ولم يحِل فرداً واحداً من العسكريين إلى المحاكمة، لكنه قرر أن تتم التحقيقات فى القضاء العسكرى، مما يجعل المجلس العسكرى الخصم والحكم فى الوقت نفسه.

فرق آخر كبير بين دنشواى وماسبيرو.. أن الجنود البريطانيين قتلوا المصريين باعتبارهم سكان مستعمرة بريطانية، أما أفراد الشرطة العسكرية فقد قتلوا مواطنين مصريين مثلهم. المواطن المصرى يدفع ضرائب لتشترى بها القوات المسلحة مدرعات، يفترض أنها تحمى الوطن، فإذا بها تدهس المواطنين الذين دفعوا ثمنها وتقتلهم. إن مذبحة ماسبيرو تتوج مجموعة الجرائم البشعة التى ارتكبها أفراد الشرطة العسكرية ضد المصريين، بدءا من تجريد المتظاهرات من ثيابهن وتصويرهن عرايا وهتك أعراضهن بدعوى الكشف على عذريتهن، وصولا إلى تعذيب المتظاهرين وصعقهم بالكهرباء وإهدار آدميتهم. كل هذه الجرائم موثقة وكلها أجريت فيها تحقيقات بواسطة القضاء العسكرى، لم نعرف نتائجها ولن نعرفها أبدا. إن مجزرة ماسبيرو البشعة تضعنا وجها لوجه أمام الحقيقة، أن نظام مبارك مازال يحكم مصر، وهو يسعى إلى إحراقها وتخريبها، حتى يجهض الثورة ويمنع التغيير.. إن المجلس العسكرى يجتاز الآن اختبارا حقيقيا لمصداقيته، وعليه أن يختار: إما أن يحمى المجرمين الذين دهسوا الشهداء فى ماسبيرو فيصبح فى حكم المتستر عليهم وإما أن يمتثل للحق والتقاليد العسكرية المصرية فيحيل المجزرة إلى لجنة قضائية محايدة، حتى يتحقق العدل ويلقى المجرمون جزاءهم.

الثورة المصرية الآن تقف وحدها تماما بعد أن تخلى عنها الجميع وتآمروا من أجل إجهاضها لكن الثورة، بفضل الله والشعب الذى صنعها، ستنتصر وتعبر بمصر إلى المستقبل الذى تستحقه

الديمقراطية هى الحل

كتب المقال الرائع علاء الاسواني

ليست هناك تعليقات:

من أنا

صورتي
واحدة بتموت في ارض مصر و حاسب اللي يتهور يتعور